فصل: (سورة الأعراف: آية 34)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأمّا ما نقل عن بعض السّلف أنّ أهل الأعراف هم قوم اسْتوت موازين حسناتهم مع موازين سيّئاتهم، ويكون إطلاق الرّجال عليهم تغليبًا، لأنّه لابد أن يكون فيهم نساء، ويروى فيه أخبار مسندة إلى النّبي صلى الله عليه وسلم لم تبلغ مبلغ الصّحيح ولم تنزل إلى رتبة الضّعيف: روى بعضَها ابنُ ماجة، وبعضَها ابنُ مردويه، وبعضَها الطّبري، فإذا صحت فإنّ المراد منها أن من كانت تلك حالتهم يكونون من جملة أهل الأعراف المخبر عنهم في القرآن بأنّهم لم يدخلوا الجنّة وهم يطمعون.
وليس المراد منها أنّهم المقصودُ من هذه الآية كما لا يخفى على المتأمّل فيها.
والذي ينبغي تفسير الآية به: أنّ هذه الأعراف جعلها الله مكانًا يوقف به من جعله الله من أهل الجنّة قبل دخوله إياها، وذلك ضرب من العقاب خفيف، فجعل الدّاخلين إلى الجنّة متفاوتين في السبق تفاوتًا يعلم الله أسبابه ومقاديره، وقد قال تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعدُ وقاتلوا وكلًا وعد الله الحسنى} [الحديد: 10] وخصّ الله بالحديث في هذه الآيات رجالًا من أصحاب الأعراف.
ثمّ يحتمل أن يكون أصحاب الأعراف من الأمّة الإسلاميّة خاصّة.
ويحتمل أن يكونوا من سائر الأمم المؤمنين برسلهم، وأيّاما كان فالمقصود من هذه الآيات هم من كان من الأمّة المحمّديّة.
وتنوين {كلًا} عوضٌ عن المضاف إليه المعروف من الكلام المتقدّم.
أي كلّ أهل الجنّة وأهل النّار.
والسيما بالقصر السمة أي العلامة، أي بعلامة ميَّز الله بها أهل الجنّة وأهل النّار، وقد تقدّم بيانها واشتقاقها عند قوله تعالى: {تعرفهم بسيماهُم} في سورة البقرة (273).
ونداؤهم أهلَ الجنّة بالسّلام يؤذن بأنّهم في اتّصال بعيد من أهل الجنّة، فجعل الله ذلك أمارة لهم بحسن عاقبتهم ترتاح لها نفوسهم.
ويعلمون أنّهم صائرون إلى الجنّة، فلذلك حكى الله حالهم هذه للنّاس إيذانًا بذلك وبأن طمعهم في قوله: {لم يدخلوها وهم يطمعون} هو طمع مستند إلى علامات وقوع المطموع فيه، فهو من صنف الرّجاء كقوله: {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} (الشعراء 82).
و{أن} تفسير للنّداء، وهو القول: {سلام عليكم}.
و{سلام عليكم} دعاءُ تحيّة وإكرام.
وجملة: {لم يدخلوها وهم يطمعون} مستأنفة للبيان، لأنّ قوله: {ونادوا أصحاب الجنّة} يثير سؤالًا يبحث عن كونهم صائرين إلى الجنّة أو إلى غيرها.
وجملة: {وهم يطمعون} حال من ضمير {يدخلوها} والجملتان معًا معترضتان بين جملة: {ونادوا أصحاب الجنة} وجملة {وإذا صرفت أبصارهم}. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ}
الحجاب موجود بين أصحاب الجنة وأصحاب النار، وهم يتراءون من خلاله، وبيّنه الحق سبحانه فقال: {يَوْمَ يَقُولُ المنافقون والمنافقات لِلَّذِينَ آمَنُواْ انظرونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارجعوا وَرَاءَكُمْ فالتمسوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرحمة وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العذاب} [الحديد: 13]
باطن هذا الحجاب الرحمة من ناحية أهل الجنة، وظاهره المواجه لأهل النار فيه العذاب، والحق هو القادر على كل شيء؛ لذلك لا ينال أهل الجنة شيء من شقاء أهل النار، ولا ينال أهل النار شيء من نعيم أهل الجنة، ويسمع أهل النار ردًا على طمعهم في أن ينالهم بعض من نور أهل الجنة، إنكم تلتمسون الهدى في غير موطن الهدى؛ فزمن التكليف قد انتهى، ومن كان يرغب في نور الآخرة كان عليه أن يعمل من أجله في الدنيا، فهذا النور ليس هبة من خلق لخلق، وإنما هو هبة من خالق لمخلوق آمن به. وأنتم تقولون: انظرونا نقتبس من نوركم، وليس في مقدور أهل الجنة أن يعطوا شيئًا من نور أهل الجنة فالعطاء حينئذ لله. {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأعراف رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًا بِسِيمَاهُمْ...} [الأعراف: 46]
و{كُلًا} المعنيّ بها أصحاب الجنة وأصحاب النار، فقد تقدم عندنا فريقان؛ أصحاب الجنة، وأصحاب النار وهناك فريق ثالث هم الذين على الأعراف، و{الأعراف} جمع عُرف مأخوذ من عرف الديك وهو أعلى شيء فيه، وكذلك عرف الفرس. كأن بين الجنة مكانا مرتفعًا كالعرف يقف عليه أناس يعرفون أصحاب النار بسيماهم فكأن من ضمن السمات والعلامات ما يميز أهل النار عن أهل الجنة.
وكيف توجد هذه السمات؟ يقال إن الإنسان ساعة يؤمن يصير أهلا لاستقبال سمات الإيمان، وكلما دخل في منهج الله طاعة واستجابة أعطاه الله سمة جمالية تصير أصيلة فيه تلازمه ولا تفارقه وبالعكس من ذلك أصحاب النار فتبتعد عنهم سمات الجلال والجمال وتحل محلها سمات القبح والشناعة والبشاعة.
وإذا ما رأى أهل الأعراف أصحاب الجنة يقولون: سلام عليكم؛ لأن الأدنى منزلة- أصحاب الأعراف- يقول للأعلى- أصحاب الجنة- سلام عليكم.
وجماعة الأعراف هم من تساوت سيئاتهم مع حسناتهم في ميزان العدل الإلهي الذي لا يظلم أحدًا مثقال ذرة. {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة: 6-9]
ويا رب لقد ذكرت الميزان، وحين قدرت الموزون لهم لم تذكر لنا إلا فريقين اثنين.. فريق ثقلت موازينه، وفريقًا خفت موازينه، ومنتهى المنطق في القياس الموازيني أن يوجد فريق ثالث هم الذين تتساوى سيئاتهم مع حسناتهم، فلم تثقل موازينهم فيدخلوا الجنة، ولم تجف موازينهم فيدخلوا النار، وهؤلاء هم من تعرض أعمالهم على لجنة الرحمة فيجلسون على الأعراف. ومن العجيب أنهم حين يشاهدون أهل الجنة يقولون لهم سلام عليكم على الرغم من أنهم لم يدخلوا، لكنهم يطمعون في أن يدخلوا، لأن رحمة الله سبقت غضبه. {... ونَادَوْاْ أَصْحَابَ الجنة أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} [الأعراف: 46]
وبطبيعة الحال ليس في هذا المكان غش ولا خداع.
وماذا حين ينظرون إلى أهل النار؟. اهـ.

.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:

.[سورة الأعراف: آية 31]

{يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)}
{خُذُوا زِينَتَكُمْ} أي ريشكم ولباس زينتكم {عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} كلما صليتم أو طفتم، وكانوا يطوفون عراة. وعن طاوس، لم يأمرهم بالحرير والديباج، وإنما كان أحدكم يطوف عريانا ويدع ثيابه وراء المسجد، وإن طاف وهي عليه ضرب وانتزعت عنه، لأنهم قالوا: لا نعبد اللّه في ثياب أذنبنا فيها: وقيل: تفاؤلا ليتعروا من الذنوب كما تعروا من الثياب. وقيل: الزينة المشط. وقيل: الطيب. والسنة أن يأخذ الرجل أحسن هيئته للصلاة، وكان بنو عامر في أيام حجهم لا يأكلون الطعام إلا قوتًا، ولا يأكلون دسما يعظمون بذلك حجهم فقال المسلمون: فإنا أحق أن نفعل، فقيل لهم: {كلوا واشربوا ولا تسرفوا}. وعن ابن عباس رضي الله عنه: كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة ويحكى أنّ الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق، فقال لعلى بن الحسين بن واقد: ليس في كتابكم من علم الطب شيء. والعلم علمان، علم الأبدان وعلم الأديان، فقال له: قد جمع اللّه الطب كله في نصف آية من كتابه. قال: وما هي؟ قال: قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} فقال النصراني: ولا يؤثر من رسولكم شيء في الطب؟ فقال: قد جمع رسولنا صلى اللّه عليه وسلم الطب في ألفاظ يسيرة. قال: وما هي؟ قال قوله «المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء وأعط كل بدن ما عوّدته» فقال النصراني: ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبًا.

.[سورة الأعراف: آية 32]

{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)}
{زِينَةَ اللَّهِ} من الثياب وكل ما يتجمل به {وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ} المستلذات من المآكل والمشارب. ومعنى الاستفهام في من: إنكار تحريم هذه الأشياء. قيل: كانوا إذا أحرموا حرّموا الشاة وما يخرج منها من لحمها وشحمها ولبنها {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا} غير خالصة لهم، لأنّ المشركين شركاؤهم فيها {خالِصَةً} لهم {يَوْمَ الْقِيامَةِ} لا يشركهم فيها أحد. فإن قلت: هلا قيل: هي للذين آمنوا ولغيرهم. قلت: لينبه على أنها خلقت للذين آمنوا على طريق الأصالة، وأن الكفرة تبع لهم، كقوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ} وقرئ: {خالصة} بالنصب على الحال، وبالرفع على أنها خبر بعد خبر.

.[سورة الأعراف: آية 33]

{قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (33)}
{الْفَواحِشَ} ما تفاحش قبحه أي تزايد. وقيل هي ما يتعلق بالفروج {وَالْإِثْمَ} عام لكل ذنب. وقيل: شرب الخمر {وَالْبَغْيَ} الظلم والكبر، أفرده بالذكر كما قال: {وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْي}. {ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا} فيه تهكم، لأنه لا يجوز أن ينزل برهانا بأن يشرك به غيره {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ} وأن تتقوّلوا عليه وتفتروا الكذب من التحريم وغيره.

.[سورة الأعراف: آية 34]

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (34)}
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ} وعيد لأهل مكة بالعذاب النازل في أجل معلوم عند اللّه كما نزل بالأمم وقرئ: {فإذا جاء آجالهم}. وقال: {ساعَةً} لأنها أقل الأوقات في استعمال الناس. يقول المستعجل لصاحبه: في ساعة، يريد أقصر وقت وأقربه.

.[سورة الأعراف: الآيات 35- 36]

{يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (36)}
إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ هي إن الشرطية ضمت إليها ما مؤكدة لمعنى الشرط. ولذلك لزمت فعلها النون الثقيلة أو الخفيفة. فإن قلت: فما جزاء هذا الشرط؟ قلت: الفاء وما بعده من الشرط والجزاء. والمعنى: فمن اتقى وأصلح منكم، والذين كذبوا منكم. وقرئ: {تأتينكم}، بالتاء.

.[سورة الأعراف: آية 37]

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (37)}
فَمَنْ أَظْلَمُ فمن أشنع ظلمًا ممن تقوّل على اللّه ما لم يقله، أو كذب ما قاله أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ أي مما كتب لهم من الأرزاق والأعمار حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا حتى غاية لنيلهم نصيبهم واستيفائهم له، أي إلى وقت وفاتهم، وهي {حتى} التي يبتدأ بعدها الكلام، والكلام هاهنا الجملة الشرطية، وهي إذا جاءتهم رسلنا قالوا. ويَتَوَفَّوْنَهُمْ حال من الرسل، أي متوفيهم. والرسل ملك الموت وأعوانه. و{ما} وقعت موصولة بأين في خط المصحف، وكان حقها أن تفصل، لأنها موصولة بمعنى: أين الآلهة الذين تدعون ضَلُّوا عَنَّا غابوا عنا فلا نراهم ولا ننتفع بهم، اعترافا منهم بأنهم لم يكونوا على شيء فيما كانوا عليه، وأنهم لم يحمدوه في العاقبة.

.[سورة الأعراف: الآيات 38- 39]

{قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعًا قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (38) وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)}
قالَ ادْخُلُوا أي يقول اللّه تعالى يوم القيامة لأولئك الذين قال فيهم: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ} وهم كفار العرب فِي أُمَمٍ في موضع الحال، أي كائنين في جملة أمم، وفي غمارهم مصاحبين لهم، أي ادخلوا في النار مع أمم قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ وتقدّم زمانهم زمانكم لَعَنَتْ أُخْتَها التي ضلت بالاقتداء بما حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها أي تداركوا بمعنى تلاحقوا واجتمعوا في النار قالَتْ أُخْراهُمْ منزلة وهي الأتباع والسفلة لِأُولاهُمْ منزلة وهي القادة والرؤوس. ومعنى لأولاهم: لأجل أولاهم، لأن خطابهم مع اللّه لا معهم عَذابًا ضِعْفًا مضاعفا لِكُلٍّ ضِعْفٌ لأنّ كلا من القادة والأتباع كانوا ضالين مضلين وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ قرئ بالياء والتاء {فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ} عطفوا هذا الكلام على قول اللّه تعالى للسفلة {لِكُلٍّ ضِعْفٌ} أي فقد ثبت أن لا فضل لكم علينا، وأنا متساوون في استحقاق الضعف {فَذُوقُوا الْعَذابَ} من قول القادة، أو من قول اللّه لهم جميعًا.